القرحة الهضمية هي جرح مفتوح ناتج عن تآكل موضعي في الغشاء المخاطي لجدار المعدة أو في الجزء الأول من الأمعاء ، والمسمى بالإثناعشر, وينتج عن هذا التآكل ملامسة الأنسجة الداخلية لبطانة المعدة والإثناعشر للعصارة المعديّة بما تحتويه من أحماض، مسببة بذلك أعراضا مزعجة .
وقد تكون القرحة في المعدة فقط، أو في الإثناعشر ، أو في الاثنين معا ، ونادرا ما تكون في أجزاء الجهاز الهضمي الأخرى . يشتكي 2% من سكان العالم من قرحة المعدة والإثناعشر ، المعروفتين معا باسم القرحة الهضمية . وتعد قرحة الإثناعشر الأكثر شيوعا؛حيث تصيب المرضى بين سن 30 و50 سنة، ويصاب بها – تقريبا – ضعف عدد الرجال مقارنة بالنساء ، أما قرحة المعدة فهي غالبا ما تصيب المرضى بعد سن 60 سنة ، وتصيب النساء أكثر من الرجال .
تعتبر بكتيريا المعدة الحلزونية هليكوباكتر بيلوري السبب الرئيسي للقرح الهضمية ، علما بانه في السابق كانت تعزى أسباب القرحة الهضمية إلى الضغوط النفسية، والقلق، والتوتر العصبي،الا ان الصورة تغيرت وأصبح معروفا أن للقرحة الهضمية مسببات أخرى .
فالإصابة ببكتيريا المعدة الحلزونية هي السبب في حدوث أكثر من 90% من حالات قرحة الإثناعشر، وكذلك في 80% من حالات قرحة المعدة، ويشار الى ان نحو ثلثي سكان العالم مصابين بهذه البكتيريا، لكن أغلبهم لا يعانون من أية أعراض .
ويعتبر وجود وتكاثر هذه البكتيريا في الطبقة المخاطية من بطانة المعدة السبب الأساسي للقرحة، فهي تستطيع أن تتعايش مع حمض المعدة عن طريق إفراز إنزيمات خاصة تحميها من الحمض، في الوقت الذي تفرز فيه مادة اليوريا ، التي تؤدي بدورها إلى تهتك الغشاء المخاطي – الذي يغطي السطح الداخلي للمعدة والإثنا عشر- وتمنعه من القيام بعمله الوقائي ضد إنزيم الببسين وحمض الهيدروكلوريك، اللذين تفرزهما المعدة لهضم الطعام ؛ فيصبح بذلك جدار المعدة أكثر عرضة للإصابة بالقرحة .
يعتقد العلماء أن الإصابة بالقرحة ترجع أيضا لأسباب وراثية خاصة بالمريض، حيث لوحظ وجود تاريخ مرضي لدى عائلات المصابين بالقرح الهضمية . إن استعمال الأدوية المضادة للالتهاب، والتي تعالج التهابات المفاصل والروماتيزم ، وكذلك مسكنات الألم ؛ يضعف من قدرة نسيج الأمعاء على الالتئام ، ويؤدي إلى التهاب بطانة المعدة والأمعاء الدقيقة . كما إن التدخين والمشروبات الكحولية من المسببات الأخرى للقرح الهضمية .
إن أكثر الأعراض حدوثا هي الآلام المتكررة، والمتمثلة في حرقان بالمنطقة العلوية من البطن ، وغالبا ما يشعر المريض بالآلام بين الوجبات حين تكون المعدة خاوية ، وتستمر هذه الآلام من دقائق إلى عدة ساعات ، وغالبا ما تخف حدة الآلام بعد الأكل أو عند تناول الأدوية الخافضة للحموضة ، وفي بعض الأحيان يحدث أن يستيقظ المريض في منتصف الليل على هذه الآلام المزعجة، وقد يشعر المريض أحيانا بغثيان، وفقدان للشهية، وما يستتبع ذلك من تناقص في الوزن . المضاعفات المزمنة تتلخص في النزيف الدموي البسيط الذي قد لا يشعر به المريض، ويؤدي إلى فقر الدم المزمن ، وفقدان الوزن وحدوث اختلال في وظيفة الجهاز الهضمي ، وقد تتحول القرحة – خاصة قرحة المعدة – إلى سرطان، خاصة عند كبار السن .
وثمة مضاعفات حادة ، وتتمثل في حدوث نزيف حاد يؤدي إلى القيء الدموي، وتآكل كامل في جدار المعدة أو الأمعاء الدقيقة، وحدوث نزيف . من أجل التشخيص ينصح أطباء الجهاز الهضمي بإجراء الفحوصات الخاصة بالقرحة الهضمية في حال استمرار الشكوى من آلام البطن لأكثر من أسبوعين بالرغم من العلاجات البسيطة والمسكنة . وأهم هذه الفحوصات التي يُعتمد عليها في تشخيص القرحة الهضمية هي :
الأشعة الملونة للمعدة والإثناعشر والمنظار الداخلي للمريء والمعدة والإثناعشر- ويعتبر الأدق من الناحية التشخيصية . ويتيح هذا الإجراء القدرة على رؤية جدار المعدة والإثناعشر ، واكتشاف القروح ، ويمكن في نفس الوقت أخذ عينات من جدار المعدة لفحصها والتأكد من وجود بكتيريا المعدة الحلزونية أو أي أمراض أخرى نادرة قد تسبب القرحة .
إن معرفة السبب الرئيسي وراء الإصابة بالقرحة الهضمية يعد عاملا رئيسيا في تطور علاجها تطورا مميزا خلال السنوات الأخيرة ، حيث يهدف العلاج إلى القضاء على بكتيريا المعدة الحلزونية ، وذلك باستخدام المضادات الحيوية المناسبة لقتلها ، بالإضافة إلى الأدوية الخاصة بخفض إفراز حمض المعدة ، وهي الأدوية الرئيسية في العلاج جنبا إلى جنب مع أدوية حماية جدار المعدة ، حيث تعمل على تخفيف الألم وتسريع الشفاء ، وكذلك تساعد في عدم تكرار الإصابة بالقرح على المدى البعيد في حوالي 80-90% من المرضى .