قصة العالم العابد سفيان الثوري مع ابو جعفر المنصور : دعاه أبو جعفر ليوليه القضاء , ولما مثل بين يديه , قال أبو جعفر: نريد ان نوليك القضاء فى بلدة كذا ، فأبى علية سفيان فأصر أبو جعفر و كرر عليه الكلام وسفيان يأبى عليه .
قال أبو جعفر: إذ نقتلك . ياغلام النطع والسيف , فاقبلوا بالنطع وهو جلد يفرش تحت الذى يقتل حتى لا تتسخ الارض بدمه وفرثه , ثم اقبلوا بالسيف .ولما رأى سفيان أن الموت أمامه , وعلم أن الامر جد , قال أيها الخليفة أنظرني الى الغد أتيك بزي القضاة . فلما أظلم الليل حمل سفيان متاعه وركب على بغله ولم يكن له زوجة ولا ولد , وخرج من الكوفة هاربآ .
ولما أصبح ابو جعفر , إنتظر أن يقدم اليه سفيان الثوري حتى الضحى , وكاد أن يأتى الزوال , فسأل من حوله , فقال التمسوا لي سفيان الثوري فالتمسوه ( أي أقبضوا علية ) . ثم رجعوا إليه وقالوا إنه خالفك وهرب في السحر . عندها غضب ابي جعفر وأرسل الى جميع المماليك انه من جاءنا بسفيان الثوري حيآ او ميتآ فله مكافأة .
هرب سفيان الثورى وهو لا يدري اين يذهب , وفكر في الذهاب الي اليمن , فنيت منه النفقة اثناء الطريق فعمل عند صاحب بستان في قرية على طريق اليمن , فأخذ يشتغل فيها ايامآ . في أحد الايام دعاه صاحب البستان وهو لايعلم أنه سفيان العابد الزاهد عالم المسلمين وإمامهم . وفقال له : من أين أنت ياغلام ؟
قال : انا من الكوفة .
قال: رطب الكوفة أطيب أم الرطب الذى عندنا ؟
قال: سفيان: أنا ما ذقت الرطب الذى عندكم .
قال: سبحان الله الناس جميعآ الاغنياء والفقراء , بل حتى الحمير والكلاب اليوم تأكل الرطب من كثرته , وأنت ما أكلت الرطب. لماذا لا تأكل من المزرعة رطبآ وانت تعمل فيها ؟ قال: لانك لم تأذن لي بذلك , فلا أريد أن ادخل الى جوفي شيئا من الحرام !
فعجب صاحب البستان من ورعه وظن أنه يتصنع الورع , فقال والله كأنك سفيان الثوري , وهو لايعلم انه سفيان . فسكت سفيان ومضى في عمله . وخرج صاحب البستان الى صاحب له فأخبره بخبر سفيان و قال له : عندي غلام يعمل في البستان من شأنه كذا وكذا , يتصنع الورع , وكأنة سفيان الثوري .
قال له صاحبة ما صفة غلامك هذا .قال: صفة كذا وكذا , فقال والله هذة صفة سفيان , تعال نقبض عليه حتى نحوز على جائزة الخليفة . فلما اقبلوا على البستان فاذا بسفيان قد فر الى اليمن . في اليمن أشتغل عند بعض الناس فما لبثوا أن أتهموه بسرقه . فحملوه الى والي اليمن , فلما دخلوا به على الوالى اقعده بين يديه ونظر اليه فاذا هو شيخ وقور عليه سمات اهل الخير والصلاح .
قال الوالي : هل سرقت؟
قال : لا والله ما سرقت .
قال : هم يقولون أنك سرقت .
قال سفيان : تهمة يتهموني بها , فليتمسوا متاعهم اين يكون .
فأمر والى اليمن الناس بالخروج من عنده , وقال لهم حتى أساله.
ثم قال: ما اسمك؟
قال: إسمي عبد الله .
قال: أقسمت عليك أن تخبرني باسمك فكلنا عبيد لله .
قال : إسمي سفيان .
قال:سفيان ابن من؟
قال:سفيان ابن عبد الله .
قال: أقسمت عليك أن تخبرنى باسمك واسم ابيك ؟
قال : انا سفيان ابن سعيد الثوري . فانتفض الوالى وقال: انت سفيان الثوري ؟ أنت الذى فررت من بين يدي ابي جعفر ؟ انت الذي ارادك على القضاء فأبيت ؟ انت الذي جعل فيك الجائزة ؟ وسفيان يردد : نعم .
قال الوالي : يا أبى عبد الله , اقم كيف شئت وارحل متى شئت , فو الله لو كنت مختبئآ تحت قدمي مارفعتها عنك . اقم كيف شئت فى اليمن . خرج سفيان من عنده ولكن ما طاب له المقام فى اليمن .رحل الى مكة . سمع ابو جعفر المنصور أن سفيان الثوري فى مكة , وكان مقبلا على الحج بمكة , أرسل ابى جعفر الخشابين لكي يقبضوا على سفيان ويعلقوة على باب الحرم لكي يقتلة أبي جعفر بنفسة , ويذهب ما في قلبة من غيظ !