من سير أعلام النبلاء للذهبي : سفيان الثوري والخليفة المنصور .

0
2276
من سير أعلام النبلاء للذهبي : سفيان الثوري والخليفة المنصور .

قصة العالم العابد سفيان الثوري مع ابو جعفر المنصور : دعاه أبو جعفر ليوليه القضاء , ولما مثل بين يديه , قال أبو جعفر: نريد ان نوليك القضاء فى بلدة كذا ، فأبى علية سفيان فأصر أبو جعفر و كرر عليه الكلام وسفيان يأبى عليه .

قال أبو جعفر: إذ نقتلك . ياغلام النطع والسيف , فاقبلوا بالنطع وهو جلد يفرش تحت الذى يقتل حتى لا تتسخ الارض بدمه وفرثه , ثم اقبلوا بالسيف .ولما رأى سفيان أن الموت أمامه , وعلم أن الامر جد , قال أيها الخليفة أنظرني الى الغد أتيك بزي القضاة . فلما أظلم الليل حمل سفيان متاعه وركب على بغله ولم يكن له زوجة ولا ولد , وخرج من الكوفة هاربآ .

 

ولما أصبح ابو جعفر , إنتظر أن يقدم اليه سفيان الثوري حتى الضحى , وكاد أن يأتى الزوال , فسأل من حوله , فقال التمسوا لي سفيان الثوري فالتمسوه ( أي أقبضوا علية ) . ثم رجعوا إليه وقالوا إنه خالفك وهرب في السحر . عندها غضب ابي جعفر وأرسل الى جميع المماليك انه من جاءنا بسفيان الثوري حيآ او ميتآ فله مكافأة .
هرب سفيان الثورى وهو لا يدري اين يذهب , وفكر في الذهاب الي اليمن , فنيت منه النفقة اثناء الطريق فعمل عند صاحب بستان في قرية على طريق اليمن , فأخذ يشتغل فيها ايامآ . في أحد الايام دعاه صاحب البستان وهو لايعلم أنه سفيان العابد الزاهد عالم المسلمين وإمامهم .  وفقال له : من أين أنت ياغلام ؟

 

من سير أعلام النبلاء للذهبي : سفيان الثوري والخليفة المنصور .

قال : انا من الكوفة . 
قال: رطب الكوفة أطيب أم الرطب الذى عندنا ؟
قال: سفيان: أنا ما ذقت الرطب الذى عندكم . 
قال: سبحان الله الناس جميعآ الاغنياء والفقراء , بل حتى الحمير والكلاب اليوم تأكل الرطب من كثرته , وأنت ما أكلت الرطب. لماذا لا تأكل من المزرعة رطبآ وانت تعمل فيها ؟ قال: لانك لم تأذن لي بذلك , فلا أريد أن ادخل الى جوفي شيئا من الحرام !

 

فعجب صاحب البستان من ورعه وظن أنه يتصنع الورع , فقال والله كأنك سفيان الثوري , وهو لايعلم انه سفيان . فسكت سفيان ومضى في عمله . وخرج صاحب البستان الى صاحب له فأخبره بخبر سفيان و قال له : عندي غلام يعمل في البستان من شأنه كذا وكذا , يتصنع الورع , وكأنة سفيان الثوري .
قال له صاحبة ما صفة غلامك هذا .قال: صفة كذا وكذا , فقال والله هذة صفة سفيان , تعال نقبض عليه حتى نحوز على جائزة الخليفة . فلما اقبلوا على البستان فاذا بسفيان قد فر الى اليمن . في اليمن أشتغل عند بعض الناس فما لبثوا أن أتهموه بسرقه . فحملوه الى والي اليمن ,  فلما دخلوا به على الوالى اقعده بين يديه ونظر اليه فاذا هو شيخ وقور عليه سمات اهل الخير والصلاح .

 

من سير أعلام النبلاء للذهبي : سفيان الثوري والخليفة المنصور .

قال الوالي : هل سرقت؟
قال : لا والله ما سرقت .
قال : هم يقولون أنك سرقت .
قال سفيان : تهمة يتهموني بها ,  فليتمسوا متاعهم اين يكون .
فأمر والى اليمن الناس بالخروج من عنده , وقال لهم حتى أساله.
ثم قال: ما اسمك؟
قال: إسمي عبد الله .
قال: أقسمت عليك أن تخبرني باسمك فكلنا عبيد لله .
قال : إسمي سفيان .
قال:سفيان ابن من؟
قال:سفيان ابن عبد الله .
قال: أقسمت عليك أن تخبرنى باسمك واسم ابيك ؟

 

من سير أعلام النبلاء للذهبي : سفيان الثوري والخليفة المنصور .

قال : انا سفيان ابن سعيد الثوري . فانتفض الوالى وقال: انت سفيان الثوري ؟ أنت الذى فررت من بين يدي ابي جعفر ؟ انت الذي ارادك على القضاء فأبيت ؟ انت الذي جعل فيك الجائزة ؟ وسفيان يردد : نعم .
قال الوالي  : يا أبى عبد الله , اقم كيف شئت وارحل متى شئت , فو الله لو كنت مختبئآ تحت قدمي مارفعتها عنك .  اقم كيف شئت فى اليمن . خرج سفيان من عنده ولكن ما طاب له المقام فى اليمن .رحل الى مكة  . سمع ابو جعفر المنصور أن سفيان الثوري فى مكة , وكان مقبلا على الحج بمكة , أرسل ابى جعفر الخشابين لكي يقبضوا على سفيان ويعلقوة على باب الحرم لكي يقتلة أبي جعفر بنفسة , ويذهب ما في قلبة من غيظ !

 

أقبل الخشابين ودخلوا الحرم وبدأوا يصيحون من لنا بسفيان الثوري ؟ فلما دخلوا وعلم بهم سفيان فاذا هو متواجد بين العلماء , وقد أحاطوا به يسألونه , ولما سمع العلماء الخشابين ينادون على سفيان . قال العلماء : يا أبى عبدالله لا تفضحنا فنقتل معك . عندها قام سفيان وتقدم  حتى وصل عند أستار الكعبة ثم رفع يديه وقال : (اللهم أقسمت عليك ألا يدخلها ابو جعفر). قالها ثلاث مرات “أي ألا يدخل مكة” .

فإذا بهذة الدعوات تقرع أبواب السموات , فينزل ملك الموت من السماء فيقبض روح أبو جعفر المنصور وهو على حدود مكة , ويدخل مكة جثه هامده محموله على النعش لكي يصلى علية سفيان الثوري إماما فى الحرم !

اترك رد